أسرار التميز الإداري والقيادي
في
حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
الإدارة ..هي فن قيادة الآخرين، فالإنسان يتشكل من مجموعة من العواطف
والمشاعر، لذا فهو بحاجة إلى مرونة كاملة في التعامل معه، لذا فالواجب على
الإدارة أن تكون مرنة، وعلى المدير الناجح أن يلاحظ ذلك جيداً ..
ولنا في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة في كل نواحي
الحياة على وجه الخصوص في قيادة الآخرين على الأسس السليمة التي رسخها
الإسلام، وفي الرفق والتعاون حيث يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم:
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
ولقد رسخ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أسس ومبادئ الإدارة وفن قيادة
الآخرين من خلال مواقفه مع أصحابه، فكل موقف كان يرسخ مبدأً جديداً في
كيفية إنجاز الأعمال بنجاح وتميز دون إهدار حقوق الغير، ودون التقليل من
المهام الموكولة للآخرين، بل يصبح تقسيم العمل والتعاون والاستماع للآخرين
من الصفات التي ينبغي أن نتحلى بها في تعاملنا نحن في أعمالنا .
وقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- أكبر الأثر في توجيه صحابته
وتحفيزهم على العمل بكفاءة ،وبذلك فنجده صلى الله عليه وسلم قد وضع هذه
الأسس قبل أن نكتب فيها بأربعة عشر قرناً فمن أولى هذه المبادئ :
مهارة تحفيز وتشجيع فريق العمل
يصف الواقدي تحركات الرسول - صلى الله عليه وسلم- بجيشه نحو حُنين حيث ينقل
قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه : "ألا فارس يحرسنا الليلة ؟"
إذ أقبل أنيس بن أبي مرثد الغنوي على فرسه فقال : أنا ذا يا رسول الله،
فقال صلى الله عليه وسلم : "انطلق حتى تقف على جبل كذا وكذا فلا تنزلن إلا
مصلياً أو قاضي حاجة ، ولا تغرن من خلفك".
قال : فبتنا حتى أضاء الفجر وحضرنا الصلاة فخرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: " أأحسستم فارسكم الليلة ؟".
قلنا لا والله، فأقيمت الصلاة فصلى بنا ، فلما سلّم رأيت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ينظر خلال الشجر، فقال : "أبشروا جاء فارسكم " وعندئذ جاء
(أي الفارس) وقال :
يا رسول الله إني وقفت على الجبل كما أمرتني فلم أنزل عن فرسي إلا مصلياً
أو قاضي حاجة حتى أصبحت ، فلم أحس أحداً قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- : "انطلق فانزل عن فرسك وأقبل علينا، فقال : ما عليه أن يعمل بعد هذا
عملاً".
كان من منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأداء أنه كان دائما ما يعمد
إلى التخيير وبث روح المنافسة بين فريق عمله .. "ألا فارس يحرسنا الليلة
؟".
كما أنه استقبل حديث "أنيس " وهو يتحدث عن دوره وإجادته في تنفيذه بنفس
طيبة " قال : يا رسول الله إني وقفت على الجبل كما أمرتني فلم أنزل عن فرسي
إلا مصليًا أو قاضي حاجـة حتى أصبحت فلم أحس أحداً ".
فلم يتهمه النبي -صلى الله عليه وسلم - وهو يعرض موقفه بنقص في إخلاصه لا
سيما وأنه يدلي بهذا الحديث أمام جمع من صحابته -رضوان الله عليهم - ، ثم
يبادر النبي بتشجيعه وتحفيزه : "ما عليه أن يعمل بعد هذا عملا" .
وفي هذا الثناء والتشجيع والإشادة بالموقف .. ما يدعو كل مشرف أو مدير إلى
استنفاذ طاقة فريقه وتفانيهم في العمل ، كما أن الرسول أتقن فن التحفيز
والتشجيع من خلال الأوصاف المتميزة على صحابته، فأبو بكر الصديق وعمر
الفاروق – رضي الله عنهما- كما ذكر محمد أحمد عبد الجواد في كتابه "أسرار
التميز الإداري والمهـاري في حياة الرسول".